العالم العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المبشرات باتصار الاسلام

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

 المبشرات باتصار الاسلام Empty المبشرات باتصار الاسلام

مُساهمة من طرف Ch.Marwen الإثنين 18 نوفمبر 2013, 17:10




 

__المبشرات بانتصار الإسلام__

الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام 

اولا - المبشرات من القرآن الكريم :
جاء في القرآن الكريم الهادي والصراط المستقيم كثير من المبشرات بانتصار هذا الدين، وهي كما يلي:


1 - وعد الله بنصرة الإسلام :
أول وأهم هذه المبشرات: ما جاء في القرآن مما وعد به الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بنصرة الإسلام، وإتمام نوره ولو كره الكافرون، وإظهاره على كل الأديان ولو كره المشركون.
نقرأ في سورة التوبة في سياق الحديث عن الذين يعادون الإسلام من المشركين وأهل الكتاب الذين حرفوا دينهم، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، والذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله قوله تعالى:
{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ } .
يقول العلامة ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين:
"يقول تعالى: يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب: { أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ } أي ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، فكذلك ما أرسل به رسول الله  لابد أن يتم ويظهر، ولهذا قال تعالى مقابلاً لهم فيما راموه وأرادوه: { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ } ، والكافر هو الذي يستر الشيء ويغطيه، ثم قال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ } ، فالهدى هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح، والعلم النافع، ودين الحق هو: الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } أي على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله  أنه قال: "إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ مُلك أمتي ما زُوي لي منها" .


2 - وعد الله أمة محمد  بالنصر والتمكين :
ومن المبشرات القرآنية قوله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ } .
يقول ابن كثير: "هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً وحكماً فيهم، وقد فعله تبار ك وتعالى، وله الحمد والمنة، فإنه  م يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين، وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، وصاحب مصر وإسكندرية وهو المقوقس، وملوك عُمان، والنجاشي ملك الحبشة، الذي تملك بعد أصحمة رحمه الله وأكرمه.
ثم لما مات رسول الله  واختار الله له ما عنده من الكرامة، قام بالأمر بعده خلفيته أبو بكر الصديق رضي الله عنه فبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس،فتحوا طرفاً منها، وجيشاً إلى أ رض الشام، وثالثاً إلى بلاد مصر وتوفاه الله عز وجل، واختار له ما عنده من الكرامة، ومنّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق، فقام بالأمر بعده قياماً تاماً، لم يدر الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته، وكمال عدله، وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكَسَر كسرى، وأهانـه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقصر قيصر، وانتزاع يده عن بلاد الشام، وانحدر إلى القسطنطينية، وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله، عليه من ربه أتم سلام وأزكي صلاة.
وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى بلاد الصين وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية، وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز، وجبي الخراج من المشارق والمغارب.
وهذا الوعد الإلهي للمؤمنين وعد دائم ومستمر، وما تحقق في عهد الخلفاء الراشداين من نصر وتمكين يمكن أن يتحقق لمن بعدهم، فإن وعد الله تعالى لايتخلف، قال تعالى: { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } ، ووعد الله هنا مشروط بالإيمان وعمل الصالحات وعبادة الله وحده، وعدم الإشراك به، قال تعالى: { يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } .


3 - قصص الرسل وعاقبة المؤمنين والمكذبين:
ومن المبشرات القرآنية ما قصه علينا القرآن من قصص الرسل والمؤمنين وأقوامهم، ومخالفيهم من المشركين، وكيف كانت العاقبة للرسول والذين آمنوا معه، وكان الهلاك والدمار للذين تمردوا على الله وكذبوا المرسلين.


4 - وعد الله بنصر المؤمنين وإنجائهم والدِّفَاع عنهم:
ومن المبشرات القرآنية: وعد الله المؤمنين بالنصر والنجاة والدفاع والولاية والمعية. على وجه العموم. إقرأ قوله تعالى:
{ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } .
{ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقاًّ عَلَيْنَا نُنْجِ المُؤْمِنِينَ } .
{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } .

5 - وعد الله بإحباط كيد الكافرين ومؤامراتهم:
ومن المبشرات القرآنية: وعده سبحانه بإحباط كيد الكافرين، ومكرهم بالإسلام وأهله، وجهودهم الدائبة لإطفاء نوره؛ وأنه تعالى سيرد كيدهم في نحورهم، ويعيد سهامهم المسمومة إلى صدورهم. وهو جل شأنه لا يخلف الميعاد.
من ذلك قوله تعالى:
{ِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } .


6 - فسوف يأتي الله بقوم يحبهم:
ومن المبشرات القرآنية: ما ذكره الله تعالى في سورة المائدة ، مهدداً المرتدين المارقين من الدين، بأنهم لن يضروا الله شيئاً، ولن ينهدم الدين بارتدادهم عنه، فقد تكفل سبحانه بأنه يدخر لهذا الدين جيلاً من المؤمنين الأقوياء يقول الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .


7 - سنريهم أياتنا:
ومن المبشرات القرآنية قوله تعالى:
{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ } .
وهذا وعد من الله تعالى، يبرز منه في كل زمـن ما نشهده بأعيننا، وما نسمعه بآذاننا، وما نحسه بقلوبنا. 
ومن جملة ذلك: ما نراه في عصرنا من دراسات أهل العلم الطبيعي والرياضي، لبيان أوجه جديدة للإعجاز العلمي في القرآن الكريم وبعض هذه الدراسات نظرات جيدة وعميقة اعترف بها عدد من غير المسلمين.


ثانياً - المبشرات من السنة النبوية :
وفي السنة النبوية والسيرة النبوية: مبشرات كثيرة وفيرة ولكن المسلمين في عصور التراجع والتخلف أغفلوها ونسوها، ولم يذكروا إلا أحاديث الفتن وأشراط الساعة، وقد فهموا فهماً يوحي باليأس من صلاح الحال، وكل عمل ينهض بالأمة من عثرتها، ويجتهد في تغيير الواقع إلى ما هو أحسن وأمثل. ولا يعقل أن يصدر من هادي الأُمَّة أن يثبطها عن محاولة الإصلاح، وإرادة التغيير.
وكل هذه المبشرات إخبار بمستقبل الإسلام، وأن الغد له ولأمته، أخبر بها من لا ينطق عن الهوى.

وسنذكر أهم هذه المبشرات :

1 - انتشار الإسلام في العالم كله:
من هذه المبشرات: ما رواه تميم الداري قال: سمعت رسول الله  يقول: "ليبلغن هذا الأمر (يعني أمر الإسلام) ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر" .
ومعنى بلوغه ما بلغ الليل والنهار: انتشاره في الأرض كلها، حيث يبلغ الليل والنهار، ودخول هذا الدين الحواضر والبوادي ، فالحواضر هي التي بيوتها من مدر (أي من حجر)، والبوادي هي التي بيوتها من وبر وشعر، وسيدخل الإسلام جميعها، وبهذا يتحقق وعد الله تعالى في كتابه : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } وذلك في ثلاث آيات : في التوبة: 33، وفي الفتح: 82، وفي الصف: 9.
ومعنى ظهوره على الدين كله، غلبته على جميع الأديان، وفي القرون الإسلامية الأولى غلب الإسلام على اليهودية والنصرانية والوثنية العربية والمجوسية الفارسية، وبعض أديان آسية وأفريقية، ولكنه لم ينتصر على جميع الأديان، فلا زلنا ننتظر هذه البشارة، ولن يخلف الله وعده.
وأكد هذه البشارة: ما رواه المقداد بن الأسود، قال: سمعت رسول الله  يقول: "لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز، أو بذل ذليل.." الحديث.


2 - دعوة الإسلام إلى أوروبا وفتح رومية:
ومن هذه المبشرات ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي قبيل قال: كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص وسئل: أيْ المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبدالله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبدالله: بينما نحن حول رسول الله  نكتب إذ سئل رسول الله  : أي المدينتين تفتح أولاً: قسطنطينية أو رومية؟ فقال: "مدينة هرقل تفتح أولاً" .
ورومية هي: روما عاصمة إيطاليا الآن، والقسطنطنية هي: استانبول الآن، يفهم من السؤال أن الصحابة كانوا قد علموا قبل ذلك أن الإسلام سيفتح المدينتين، ويدخل أهلهما في دين الله، ولكن يريدون أن يعرفوا: أيّ المدينتين تسبق الأخرى، فأجابهم أن مدينة هرقل - وهي القسطنطنية - ستفتح أولاً.
وقد تحقق ذلك على يد الفتى العثماني الطموح (محمد بن مراد) ابن الثالثة والعشرين ، والذي عرف في التاريخ باسم (محمد الفاتح)، وفتحت (مدينة هرقل) في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي، وبالتحديد: في يوم الثلاثاء 20 من جمادى الأولى سنة 857 - 29 أيار (مايو) سنة 1453.
وبقي الجزء الثاني من البشرى: فتح رومية، وبه يدخل الإسلام أوروبا مرة أخرى بعد أن خرج منها مرتين: مرة من الأندلس، ومرة من البلقان.

3 - اتساع دولة الإسلام في المشارق والمغارب:
ومن هذه المبشرات ما رواه مسلم وغيره عن ثوبان قال: قال رسول الله  : "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها،وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض.." الحديث .
ومعنى (زوى لي الأرض): أي قبضها، وضمها وجمعها له عليه الصلاة والسلام حتى يراها جملة واحدة.
وهذا الحديث يبشر باتساع دولة الإسلام حتى تشمل المشارق والمغارب، أي: الأرض كلها، فإذا كان حديث تميم الداري، وحديث المقداد السابقان يؤذنان بانتشار دعوة الإسلام، وعلو كلمة الإسلام، فهذا الحديث يبشر بقوة دولة الإسلام واتساعها، بحيث تضم المشارق والمغارب، التي رآها النبي  ، وبهذا تلتقي قوة الدعوة، وقوة الدولة، وبعبارة أخرى: قوة القرآن وقوة السلطان، وفي هذا من الخير ما فيه.


4 - الرخاء والأمن وفيض المال:
ومن هذه المبشرات: ما رواه أبو هريرة عن رسول الله  أنه قال: "لاتقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً" وزاد أحمد في روايته: "حتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق" .
ومنها: ما رواه أبو هريرة أيضاً عن رسول الله  قال: "لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يُهم ربَّ المال من يقبل منه صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي" .
يؤكده حديث أبي موسى مرفوعاً "ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب! ثم لا يجد أحداً يأخذها منه" .
وهذا كله دليل على ظهور الرخاء ورغد العيش، وزوال الفقر من المجتمع، بحيث لا يوجد فيه فقير يستحق الصدقة أو يقبلها. وهذا من بركات عدل الإسلام، وأثر الإيمان والتقوى في حياة الناس، كما قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ } .


5 - عودة الخلافة على منهاج النبوة:
ومن هذه المبشرات: ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن الرسول  قال: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جَبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" ثم سكت؟ .
والملك العاضّ - وفي رواية: العضوض - هو الذي يصيب الناس فيه عسف وظلم كأنه له أنياباً تعض. أما مُلْك الجَبرية فهو القائم على الجبروت والطغيان، أشبه بالحكم العسكري المستبدّ في عصرنا. فهذا الحديث يبشر بانقشاع عهود الاستبداد والظلم والطغيان، وعودة: الخلافة الراشدة، المتبعة لمنهاج النبوة في إقامة العدل والشورى، ورعاية حدود الله وحقوق العباد.


6 - الانتصار على اليهود:
ومن هذه المبشرات: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله  يقول: "تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم، ثم يقول الحجر: يامسلم، هذا يهودي ورائي،فاقتله" .
فهل ينطق الحجر والشجر بلسان المقال آية من آيات الله، وما ذلك على الله بعزيز أوينطقان بلسان الحال؟ بمعنى أن كل شيء يدُل على اليهود، يكشف عنهم.
وأياّ كان المراد، فالمعنى أن كل شيء سيكون في صالح المسلمين، وضد أعدائهم اليهود، وأن النصر آتٍ لا ريب فيه، وأن أسطورة (القوة التي لا تقهر) التي يشيعها اليهود لن تستمر، وأن الذين اغتصبوا فلسطين بقوة السلاح، وسلاح القوة، سيخذلهم الله، الذي يملي للظالمين، ثم يأخذهم أخذاً أليماً شديداً، ولن تغني عنهم ترسانتهم النووية التي يُدِلون بها، كما لم تغن حصون أسلافهم من بني النضير عنهم شيئاً، حين جاءهم بأس الله الذي لايُرد عن القوم المجرمين، كما قال تعالى في شأنهم:{ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ } .


7 - بقاء الطائفة المنصورة:
ومن هذه المبشرات: ما رواه عدد من الصحابة رضي الله عنهم، مثلما رواه معاوية عنه  قال: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس" .
ومعنى هذا الحديث: أن الخير سيستمر في هذه الأمة، وأنها لا تخلو من قائم لله بالحجة، ومن ناصر للحق، مستمسك به، حتى تقوم الساعة، وأن هذه الطائفة المنصورة باقية حتى يأتي أمر الله، وإن أصابها ما أصابها من لأواء وأذى.
يؤكد هذا ما رواه أبو مالك الأشعري قال: قال رسول الله  : "إن الله أجاركم من ثلاث خلال: ألاّ يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً، وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وألا تجتمعوا على ضلالة" .

8 - ظهور المجددين في كل قرن:
ومن هذه المبشرات: ما رواه أبو هريرة عن رسول الله  قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة، من يجدد لها دينها" .
وكلمة (من) في الحديث تشمل (المفرد) كما قالوا عن عمر بن عبدالعزيز والشافعي والغزالي، كما تشمل الجمع، كما ذهب إليه بعض الشراح، فقد يكون المجدد جماعة دعوية أو تربوية أو جهادية، وهنا يكون سؤال المسلم: ما دوري في حركة التجديد؟ بدل أن يكون كل همه انتظار ظهور المجدد، وهو لا حول له ولا قوة !


ثالثاً - مبشرات من التاريخ :
وحسبنا من مبشرات التاريخ عامة وتاريخنا خاصة الذي يبدأ بسيرة النبي  حقيقتان كبيرتان في غاية الأهمية في موضوعنا الذي نبحث .
الحقيقة الأولي:
أن النصر لا يأتي من عند الله إلا عندما يكون الناس أحوج شيء إليه، وعندما يبرأ الناس من حولهم وقوتهم، ويلوذون بحول الله تعالى وقوته، وعندما تغلق الأبواب في وجوههم إلا بابه، وتنقطع الأسباب دونهم إلا أسبابه، هناك يدعون دعاء المضطرين، ويلجؤون إليه لجوء المفتقرين. وهو سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه، ولا يخيب من افتقر إليه ورجاه.
وقد قص علينا القرآن كيف نصر الله رسوله في هجرته إلى المدينة وبأي جند نصره. يقول تعالى: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
ورأينا ذلك النصر في يوم بدر، فقد خرجوا من بيوتهم للعير لا للنفير، فلم يكن القتال في نيتهم، وفي هذا يقول القرآن: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } .
ومع هذا كان النصر للمؤمنين، حين استغاثوا بالله فأغاثهم:
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
وكان الرسول  يدعو ربه في ذلك اليوم، ويلح في الدعاء يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تَهْلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض"!! وما زال يدعو 
حتى سقط الرداء عن منكبيه، وأبوبكر يقول له: والله يارسول الله لينصرنك الله، وليبيضن وجهك! .
وهكذا نجد أن نصر الله تعالى يتنزل على عباده المؤمنين، حين تضيق بهم الحيل وتخذلهم أسباب الأرض، فيمدون أكفهم إلى السماء.
وهذا أمر ثابت في تاريخ الرسالات كلها، وفي تاريخ الرسل جميعاً، كما بين ذلك القرآن في قوله في أواخر سورة يوسف:{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ } .
الحقيقة الثانية:
التي عرفناها من تاريخنا: هو المخزون النفسي والروحي الكبير، الذي تدخره الأُمة، ولا يبرز إلا في المحن والخطوب.
إن التاريخ يحدثنا أن في الإسلام (قوة ذاتية) مخبوءة، لا تبرز إلا عند حلول الشدائد بساحته، وإحاطة المحن بأمته. فهناك نراه أصلب ما يكون عوداً، وأعظم ما يكون صموداً، وأشد ما يكون قوة، وأقدر ما يكون على تفجير الطاقات المكنونة لأمته، وإبراز ما خبيء قوته وقدرته، فإذا هو يقاوم فيصمد، بل يغالب فيغلب وإذا الضعف الظاهر الذي أطمع الناس قد استحال إلى قوة، بل إلى قوة قاهرة منتصرة.
أ – في فجر تاريخ الإسلام :
رأينا ذلك في فجر تاريخ الإسلام: في يوم بدر، حيث انتصرت القلة على الكثرة، والضعف المادي على القوة، وامتن الله على المؤمنين بقوله:{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
ب – في حروب الردة :
ورأينا ذلك بعد وفاة رسول الله  ، وقد ارتدت قبائل العرب - فيما عدا المدينة ومكة والطائف - وظهر أدعياء النبوة وانضم إليهم مانعوا الزكاة، الذين أقروا بالصلاة ولم يقروا بالزكاة، وكانت فتنة عارمة، ومحنة قاسية، جعلت بعض الصحابة يقول لأبي بكر رضي الله عنه : يا خليفة رسول الله؛ لا طاقة لك بحرب العرب جميعاً، إلزم بيتك، وأغلق بابك، واعبد ربك، حتى يأتيك اليقين!!
ولكن أبا بكر الرجل الرقيق البكاء أبى أن يستسلم، وثبت كالطود، وزأر كالليث، وجهز أحد عشر جيشاً لحرب المرتدين ومانعي الزكاة، ولما ناقشه عمر في مقاتلة مانعي الزكاة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: (لا إله إلا الله) فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" . وهنا قال له أبو بكر رضي الله عنه في يقين وقوة: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة: فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (عنزة صغيرة) - وفي رواية: عقالاً - كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه.
وقامت معارك بين الصحابة على قلّتهم وبين المرتدين ومانعي الزكاة على كثرتهم انتهت بانتصار المؤمنين على المارقين الذين رجعوا إلى حظيرة الإسلام تائبين مستغفرين، وعادت جزيرة العرب حصناً ومعقلاً للإسلام، على امتداد القرون.
ج – في الحروب الصليبية :
وظهرت القوة الكامنة في الإسلام مرة أخرى، حين زحف عليه الغرب النصراني بقضه وقضيضه، وثالوثه وصليبه، في تسع حملات شهيرة عرفت باسم الحملات الصليبية.
ساعده على ذلك غفلة المسلمين، وغرق حكامهم في الشهوات فلا غرو أن ينتصر الصليبيون في أول الأمر، وأن يقيموا ممالك وإمارات في ديار الإسلام، بالتعاون مع الخونة من الأمراء، وأن يدخلوا بيت المقدس، بعد مذبحة قتل فيها عشرات الألوف، وجرت الدماء للركب. وبقي الصليبيون في الشام نحو مائتي عام، وبقي بيت المقدس في أيديهم تسعين سنة كاملة.
ثم هيأ الله للإسلام رجالاً صمموا على أن يقاوموا العدوان، وأن يستردوا الأرض المغتصبة، ويستعيدوا الحق السليب، فكان عماد الدين زنكي، وابنه البطل نور الدين محمود الشهيد، والقائد المظفر صلاح الدين الأيوبي، الذي كتب الله له النصر على الصليبيين في معركة (حطين) الشهيرة.
وكان هذا دليل على أن الأمة الإسلامية قد تنام، وقد تمرض، ولكنها لاتموت، مادام يجري في عروق أبنائها دم العقيدة، وما دام فيها من يقودها بـ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).
د - في حروب التتار:
وكما تعرض الإسلام للغزو من الغرب على أيد الصليبيين الأوروبيين النصارى تعرض للغزو من الشرق على أيدي التتار الوثنيين. الذين هجموا على بلاد الإسلام كالريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم. زحفوا على عاصمة الخلافة العباسية بغداد دار السلام، وأرقى بلاد الإسلام، فسقطت تحت ضرباتهم وبمعونة من خان ممن ينتسبون إلى الإسلام، وسالت الدماء أنهاراً، واسود نهر دجلة من كثرة ما ألقي فيه من كتب الحضارة، التي سال مدادها، حتى أحالت ماء النهر أسود حالكاً.
ولم تكد تمضي سنوات، حتى تحققت معجزة الإسلام مرتين؛ انتصر الإسلام على التتار عسكرياً، في معركة (عين جالوت) بقيادة القائد المملوكي الصالح سيف الدين قطز.
وانتصر الإسلام مرة أخرى معنوياً، فإذا هؤلاء الجبابرة الذين غزوا الإسلام يغزوهم الإسلام، وإذا سيف الغازي المصلت يسقط أمام تأثير العقيدة الإسلامية العزلاء، وإذا الغالبون يدخلون أخيراً في دين المغلوبين!! على خلاف ما هو معروف ومألوف، وهو ما قرره ابن خلدون أن المغلوب هو المولع دائماً بتقليد الغالب المنصور..
هـ - حروب التحرير في العصر الحديث :
وفي العصر الحديث، رأينا الجهاد البطولي، ضد الغزاة المستعمرين، في سائر ديار الإسلام: جهاد الأمير عبدالقادر الجزائري ضد الفرنسيين في الجزائر، والأمير عبدالكريم الخطابي ضد الأسبان في المغرب، والبطل عمر المختار ضد الطليان في ليبيا، والشيخ عز الدين القسام ضد الإنجليز واليهود في فلسطين، مروراً بثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، ومعارك فلسطين ضد الصهاينة، والقناة ضد الإنجليز.
كما اعترف المؤرخون الغربيون أنفسهم - أمثال برنارد لويس في كتابه (الغرب والشرق الأوسط) - أن الحركات الدينية كانت هي قائدة معارك التحرير في سائر البلاد الإسلامية ضد الاستعمار، حتي حركة كمال أتاتورك نفسها، ولكن المؤسف أن الإسلاميين يزرعون والعلمانيين هم الذين يحصدون، إنهم لصوص مدربون على سرقة ثمار الجهاد وثورات المجاهدين!
رابعاً - مبشرات من الواقع :
ومن قارن بين حال الأمة منذ قرن مضى، وحالها اليوم، بل من استقرأ حالها منذ خمسين سنة، أوثلاثين سنة، وتأمل حالها في هذين العقدين من الزمان، سيجد أن أوضاعها تغيرت - إلى حد كبير - إلى ما هو أحسن وأمثل. وهذا أمر يلاحظه ويشهد به كل مراقب يقظ للأحداث، في كل جانب من جوانب الحياة، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات، الفكرية والأخلاقية والسلوكية.


1 – الإقبال على الإسلام والالتزام به بين المسلمين :
وتكفي شهادة رجل غربي مثقف، اهتدى إلى الإسلام عن بصيرة، وآمن به عن بيّـنه، وهو الدكتور: مراد هوفمان.
يقول هوفمان في كتابه "الإسلام عام 2000" وفي فصله الثاني تحت عنوان (قليل من التفاؤل):
يجب على المرء أن يعرف كيف كانت الحال بمكة والمدينة في القرن السابق، ليتعرف على التقدم الحادث. لدينا أوصاف يُعتمد عليها من الحجاج الغربيين أمثال: المسلم السويسري بروكارت الذي عاش في مكة والمدينة ستة أشهر في 1814/1815، وقد أيد رواية بروكارت كل من المسلم البريطاني سير ريتشارد بيروتون الذي زار مكة والمدينة في 1853 ، والألماني غير المسلم هيترش فون مالتزان الذي عاش في مكة في 1860 .
اتفق المؤلفون الثلاثة على تدهور حالة الأماكن المقدسة، وانعدام الأمن، وانتشار الخرافات.
ولم تقم الصلاة بانتظام، حتي بين الحجاج، الذي هبط عددهم إلى 70.000 عام 1814 (حسب تقدير بروكات) ثم إلى 30.000عام 1860 (حسب تقدير مالتزان).
أما من يحج أو يعتمر اليوم، يجد التقدم هائلاً عن حالة القرن الماضي، فقد تم توسيع الحرم المكي والحرم المدني بجمال واقتدار ليسعا 480.000 , 650.000 حاج، وما زالا صغيرين أمام الزيادة الهائلة لمن يريدون الج، والذين يحجون الآن طبقاً لحصص محددة لكل دولة لا تتعداها، مُنعت الكحوليات، السرقات قليلة، النساء لا يدخلن البلاد منفردات، والصلاة على مدار الساعة أمام أنظار العالم.
اختلف موقف المستشرقين من الإسلام، منذ عشرينات القرن الحالي، وكان ذلك بداية لتغييرات أخرى إيجابية، فلم تعد دراسة الإسلام على طريقة لورنس العرب لصالح الإمبريالية البريطانية، بل كثير من زملائهم المستشرقين، تحلوا في دراستهم للإسلام بروح التعاطف والاعتناق بدلاً من الاشمئزاز والضيق.
والخلاصة؛ أن ذلك التطوير، نُظر إليه كتهديد أصولي، مما جعل الإسلام يحتل القمة في ما يشغل الإعلام العالمي في الربع الأخير من القرن العشرين .


2 - استمرار حركة الإحياء والتجديد:
إن من خصائص الإسلام: أن حركة الإحياء والتجديد فيه من الداخل مستمرة، ولا تنقطع حتى تقوم الساعة، بوساطة (الورثـة الحقيقيين) لعلم النبوة، الذين يقدمونه للناس خالصاً غير مشوب، متكاملاً غير مجزأ، بيّناً غير غامض (ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين).
أنشأت بفضل الله تعالى وتوفيقه، صحوة إسلامية كبرى، في سائر ديار العرب والإسلام، بل حتى خارج ديار الإسلام، حيث الأقليات والجاليات الإسلامية في الغرب والشرق، صحوة أيقظت العقول والقلوب، والعزائم، وأعادت للناس الثقة بالإسلام، والأمل في انتصاره بعد أن ظن من ظن أن راية الإسلام قد سقطت.
3 - الصحوة الإسلامية وآثارها في الحياة الإسلامية:
لا يستطيع عاقل منصف أن ينكر أثر (الصحوة الإسلامية) في حياتنا المعاصرة، تلك الصحوة التي شرقت وغربت، وأضاءت بنورها ديار الإسلام، ثم ذهبت إلى حين يوجد المسلمون خارج أوطان الإسلام، بين الأقليات الكبيرة والصغيرة، والجاليات المنتشرة في أنحاء العالم، وهدى الله بها ملايين الشبان والشابات.
أثبتت هذه الصحوة وجودها على الصعيد الفكري بما احتوته (المكتبة الإسلامية) المعاصرة من شتى الدراسات في الجوانب المتعددة.
وأثبتت الصحوة وجودها على الصعيد السلوكي، فامتلأت المساجد بالمصلين والمصليات، وخصوصاً من الشباب، وازدحمت بهم كذلك مواسم الحج والعمرة، وعادت المرأة المتبرجة إلى الحجاب طوعاً.
وأثبتت الصحوة وجودها على الصعيد السياسي، فأصبـح هناك تيار شعبي هائل، ينادي بالعودة إلى إلإسلام، وتطبيق شريعة الإسلام.
وأثبتت الصحوة وجودها على الصعيد الجهادي، فانتصرت في أفغانستان وفي الشيشان على الاتحاد السوفيتي ، وفي البوسنة والهرسك على الوحش الصربي، وزلزلت الانتفاضة وأشبالها، والمقاومة الإسلامية ورجالها الكيان الصهيوني: الدولة التي لا تقهر، والشوكة التي لا تكسر!
هذه الظواهر وغيرها حركت غرائز الشر في القوى المعادية للإسلام وأمته وصحوته، فاجتمعت على الكيد له، والمكر به، والتربص بصحوته، وقد قال إسحاق رابين في مؤتمر الدار البيضاء: إن أعداءنا الكونيين ثلاثة: الأصولية، والجوع، والمخدرات! والحقيقة أنه ذكر الجوع، والمخدرات للتغطية وذر الرماد في العيون، وإنما قصده الأساسي: الأصولية، وإن شئت الترجمة الحقيقية لها فهي (الصحوة الإسلامية)!


4 - التيار الإسلامي أقوى وأرجح في الميزان:
إن القوى التي تملكها أمتنا الإسلامية ليست بالهينة ولا اليسيرة، إذا أحسنت توظيفها والاستفادة منها، فهي في الحق قوى كبيرة وهائلة.
أ - القوى البشرية:
أولى هذه القوة: القوة البشرية العددية، فأمتنا تملك اليوم من البشر ما يزيد على المليار والربع من المسلمين المؤمنين بعقيدة التوحيد، منتشرين في قارات العالم الست.
ب - القوة المادية والاقتصادية:
وثانية هذه القوى: القوى المادية والاقتصادية، فأمتنا تملك من المعادن والثروات المذخورة في باطن الأرض، والثروات المنشورة على ظاهرها، والثروات المائية والبحرية، ما لا تملكه أمة أخرى.
وموقعنا الجغرافي كذلك له قيمة كبيرة: استراتيجية وحضارية، فهو ملتقى القارات ومنبع الحضارات، ومهبط الرسالات السماوية الكبرى: اليهودية والنصرانية - المنسوختان - والإسلام.
ج - القوة الروحية:
وثالثة هذه القوى التي تملكها أمتنا: القوة الروحية، قوة الرسالة التي تؤمن بها، وتدعو بها، وتدعو إليها، وتحيا لها وتموت عليها: رسالة الإسلام العامة الخالدة، والتي ختم الله بها النبوات والرسالات.


5 - تحذيرات الأجانب من القوة المذخورة في الإسلام وأمته:
إننا نحن المسلمين قد نجهل القوى المذخورة لدينا، ولكن الأجانب الدارسين لطبيعة أمتنا، ومذخور الطاقات في شعوبنا، هم الذين يدركون حقيقة ما نملك من قوة ذاتية، يحسبون لها ألف حساب، بل يساورهم وَهْمٌ مُفـزع من خشية انطلاقها يوماً من الأيام، يقول البروفسور "جب" في كتابه: "وجهة الإسلام": (إن الحركات الإسلامية تتطور عادة بسرعة مذهلة تدعو إلى الدهشة، فهي تنفجر انفجاراً مفاجئاً قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ما يدعو إلى الاسترابة في أمرها، إن الحركات الإسلامية لا ينقصها إلا الزعامة، لا ينقصها إلا صلاح الدين من جديد).


خامساً - مبشرات من السنن الإلهية :
وهناك مبشرات أخرى مستمدة من سنن الله في الخلق وفي الاجتماع الإنساني، وهي سنن وقوانين ثابتة تجري على الاخرين، كما جرت على الأولين، وتجري على المسلمين كما تجري على المشركين، لا تتخلف ولا تتبدل، كما قال سبحانه:{ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً } .

فإذا نظرنا إلى هذه السنن الإلهية وجدنا مجموعة منها في صفنا نحن المسلمين، ودعاة الإسلام، من ذلك:


1 - سُنة التدوال:
وشاءت إرادة الله أن سنة التدوال أو قانون المداولة بين الناس يعمل معنا لا ضدنا، وكما قال الإمام حسن البنا رحمه الله : إن الدور لنا لا علينا!
فقد كانت قيادة العالم قديماً في يد الشرق، على أيدي الحضارات الفرعونية والآشورية والبابلية والكلدانية والفينيقية، والفارسية والهندية والصينية. ثم انتقلت إلى الغرب، على يد الحضارة اليونانية ذات الفلسفة الشهيرة، والرومانية ذات التشريع المعروف، ثم انتقلت هذه القيادة مرة أخرى إلى الشرق على يد الحضارة العربية الإسلامية، وهي حضارة متميزة جمعت بين العلم والإيمان، بين الرقي المادي والسمو الروحي، ثم غفا الشرق وغفل عن رسالته. فأخذ الغرب الزمام، وكانت له القيادة مرة أخرى، ولكنه لم يرع أمانة هذه القيادة، بل أفلس في ميدان الروح والأخلاق، وفرط في العدل، وأعلى القوة على الحق والمصالح على القيم، والمادة على الروح، والجماد على الإنسان، وكال بمكيالين في التعامل مع القضايا البشرية، فكان من سنة الله أن تنتقل الشعلة إلى غيره. وحسب استقراء التاريخ: فإنها سوف تعود إلى الشرق مرة أخرى الشرق الذي يملك رسالة غير رسالة الغرب، وهو الشرق الإسلامي، فعليه أن يتهيأ لذلك، ويعد العدة، كما قال تعالى: { عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } ، { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } .


2 - سنة التغيير:
ومن السنن الإلهية التي نجدها في صف المسلمين، ونعدها من المبشرات: [سنة التغيير] التي قررها القرآن الكريم في أكثر من آية. فالذين يتغيرون من الخير إلى الشر، ومن الاستقامة إلى الانحراف، من الصلاح إلى الفساد، ومن البصيرة إلى العمى، يغير الله ما بهم من حال النعمة إلى النقمة، ومن القوة إلى الضعف، ومن العزة إلى الذل، ومن الرخاء إلى الشدة.
وهذه السنة تمنحنا نحن المسلمين الأمل في التغيير وتحسين الأحوال، فقد رأينا الكثير من المسلمين في عصر الصحوة الإسلامية، يتغيرون تغيراً جذرياً من الإعراض عن الإسلام إلى الإقبال عليه، من الجهل بأحكامه، إلى الحرص على التفقه فيه، من التسيب والشرود عن تعاليمه إلى الالتزام بها، من انشغال الفرد بخاصة نفسه وعدم اهتمامه بأمر أمته إلى حمل هموم الأمة، والمشاركة في قضاياها بإخلاص وإيجابية، من الجري وراء اللذات واتباع الشهوات إلى إحياء الدعوة وتبني الجهاد للدفاع عن الدين وحرماته، من التكشف والتعري عند النساء إلى الالتزام بالحجاب، من البعد عن المساجد إلى عمارتها بالصلوات والدروس.
وكل هذه الأعمال والآثار تشعرنا أن الأمة قد تغيرت إلى حد كبير، ومقتضى عدل الله تعالى وسنته ألا يتخلى عنها، وأن يكافئها على هذا التغير النفسي والسلوكي العميق بأن يغير ما بها، ويحولها إلى حال أفضل.


سادسا - المبشرات تدفع إلى المزيد من العمل :
والأمر الذي يجب التنبيه عليه هو: أن المبشرات بمستقبل الإسلام، التي ذكرت، لا ينبغي لنا أن نتكل عليها، وننام على آذاننا، ونخلد إلى الدعة والكسل، وننتظر نصر الله ينزل علينا دون جهد نبذله، وجهاد نمارسه، وعمل دؤوب نقوم به في جوانب حياتنا كلها، نقوّم ما اعوج منها، ونصلح ما فسد، ونبني ما تهدم، نقوّي ما ضعف، ونكمّل ما نقص، بروح المجددين، لا بعقلية المقلدين.
لقد أرشد القرآن إلى أن نصر الله لا يكون ولا يتم إلا بالمؤمنين، كما أنه لا يكون إلا للمؤمنين. كما قال تعالى يخاطب رسوله الكريم: { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} .
فلا نتوقع أن تنزل ملائكة السماء التي نزلت في بدر أو في الأحزاب أو في حنين على قوم فرغت قلوبهم من الإيمان، أو خلت حياتهم من أخلاق الإيمان، وأعمال المؤمنين، فالله تعالى يقول في بدر: { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } .
إن الرسالات لا تنتصر وحدها، إنما تنتصر بأهلها، والحق لا يعلو وحده، إنما يعلو وفق سنن الله بدعاته ورجاله الذين جمعوا بين العلم، والعمل والإخلاص، كما قال الشاعر:
وشيمة السيف: أن يزهى بجوهره وليس يعمل إلا في يدي بطل!
إن المبشرات بانتصار الإسلام يجب أن تمنحنا وقوداً متجدداً، لمزيد من العطاء والعمل الذي تحتاج إليه أمتنا على كل صعيد. ولا تطمع الأمة أن يمدها الله بنصره، على ما بها من سيئ الخصال، وسيئ الفعال، بل لا بد للأمة أن تغير ما بأنفسها حتى يغير الله ما بها.
يستحيل أن ينصر الله الكُسالى على العاملين، والمختلفين على المتحدين، والفوضويين على المنظمين.
يستحيل أن تنتصر أمة أعظم ما يشغلها لعب الكرة، وأهم ما يملأ صحفها المقروءة، وإذاعتها المسموعة والمرئية هو الغناء والرقص والتمثيل، وأشهر نجوم المجتمع فيها ليسوا العلماء ولا الأدباء، ولا المفكرين، بل هم المطربون والمطربات، والراقصون والراقصات، والممثلون والممثلات، الأحياء منهم والأموات!
إن الإسلام الذي غير العرب قديماً، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وجعلهم رعاة الأمم، بعد أن كانوا رعاة الغنم! قادر على أن يغيرهم اليوم، ويعيدهم كما يحب الله لهم خير أمة أخرجت للناس، وأن يجعل منهم (صحابة جدداً) بعثهم الله تعالى، ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان والمذاهب والفلسفات إلى عدل الإسلام، وقيم الإسلام.
إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا موقنين كل الإيقان بأنهم منصورون، وأن جندهم هم الغالبون، وأن هذا وعد الله، ولن يخلف الله وعده، ولكن هذا الإيمان أو اليقين لم يقعدهم عن العمل الجاد، وعن الجهاد المر،وعن البذل الدائم.
بهذه الروح القوية المتوثبة الآملة يجب أن نجابه مشكلاتنا، ونواجة معوقاتنا من الداخل ومن الخارج، بادئين بالداخل، فهو أُس البلاء وجرثومة الداء. والله تعالى يوجهنا إلى ذلك حين خاطب المسلمين بعد انكسار غزوة أحد فيقول: { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } 
فلنمض إذن على بركة الله عاملين مصممين، في صدق لا يعرف الزيف، وثبات لا يعرف التردد، وعزم لا يعرف الكلل، ويقين لا يعرف الشك، وأمل لايعرف القنوط، وجهاد لا يعرف القعود: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ } 
 المبشرات باتصار الاسلام Lines25

Ch.Marwen
Ch.Marwen
الادارة العليا
الادارة العليا

المتصفح : Google Chrome
الإقامة : Republic of Tunisia
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 25405
نقاط : 103330942
تقييم : 7859
تاريخ الميلاد : 14/01/1990
تاريخ التسجيل : 11/02/2012
العمر : 34

http://www.arabwoorld.com
-----

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

  • ©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع