مجرد ذكريات ....

مجرد ذكريات مرحة...

كناّ ثلاث صديقات نتقاسم نفس الغرفة الجامعية، أنا و "دنيا" و"سلمى" ...

سمّينا غرفتنا تلك "مغارة الكهف العجيب" ،إذ كُنّا نقبع فيها بعد ساعات الدراسة،تلزم كل واحدة سريرها ،تحتضن لحافها ،ثم يبدأ بوح المساء،بوح مزيج بين أحلام اليقظة و أصوات الضمير!!

-كناّ سعيدات جدا بحياتنا التي تراوحت بين الفرح و الدموع و الضحك الهستيري خاصة لما تتحول "سلمى" - بعد أن تنام - لشخص آخر،لن أنسى تلك الليلة أبدا لما استيقظتُ فجأة وجدتها تُصارع نفسها محاولة الوصول لتلك الصورة المعلقة عاليا في الغرفة،و لم تهدأ حتى نزعتْها ثم وضعَتْها فوق المكتب!! لم أستطع قول أو فعل شيء،راقبتُها مذعورة جدا حتى رجَعَتْ للنوم ،و من سوء حظي كنت كثيرا ما أفطن ليلا لأني أنام باكرا ،وكل مرة أجد"سلمى" النائمة الصاحية تقول أو تفعل شيئا،مرة وجدتها تخاطب "دنيا " التي كانت تغط في نوم عميق : "دنيا قومي قومي، تفضّلي عصيرك ،اشربيه "،هههه لن أنسى أبدا الرعب الذي رأيتُه في عيون "دنيا" التي استيقظتْ فزعة جدا :"ماذا هناك ؟ ماذا هناك ؟"..

حتى "دنيا" انتقلتْ لها العدوى،لا أدري إن كانت عدوى حقا أم أن المسكينة انفجرتْ من إلحاحي الذي أمارسه عليها في النهار،هي كانت تهتم كثيرا "بيوسف" زميلنا في الصف ، وأنا دائما أتهمها بأنها تحبه لكنها تُنكر بشدة ، ذات ليلة و لما استيقظتُ فجرا و جدتُها تهذي بملامح توشك على البكاء :" و الله لا أحب "يوسف" لا أحبه صدقيني " ،لم أوقظها بل كنت شريرة جدا وبقيتُ أستمع لهذيانها أكتم قهقهة طويلة

..

"يوسف" كان الشاب الوحيد المثقف الأنيق في صفنا،فـ"فؤاد" كان قصيرا جدا و متعجرفا دون أن يكون فيه شيء مميز حتى !أما "عمر" فقد كان جادا جدا ،كثيرا ما يختلس النظر لي، و لما أضبطه يدير وجهه خائفا خجلا هه،أما "الطاهر" فقد كان نحيلا جدا جدا ،لدرجة أن مشيته تدل على أنه يشعر بالوهن و التعب دائما ،... ذات يوم كنا مركزين جدا في قاعة الدرس،وفجأة سمعنا وَقْـعة كبيرة،إلتفتنا حائرين،لكن تلك الوقعة لم تكن سوى قَدم "الطاهر" قد تملّصتْ منه فجأة (زلّتْ) ،لأنه كان يضع رجلا فوق أخرى ،لابد أنه تألم

.

فضولي أنا و "دنيا" فاق الحدود،في إحدى المحاضرات تحدث أستاذنا الرومانسي جدا عن قصيدة ممنوعة ل"نزار قباني" و قال أنه يملكها و سيمنحها للشباب دون الفتيات،و ضحك ضحكة مستفزة"ها ها ها"،اشتعلتْ روحي فضولا أنا و "دنيا"،لجأنا لـ"يوسف" و طلبنا منه أن يسلمنا نسخة من تلك القصيدة لما تُصبح في يده،وعدنا "يوسف" ممتعضا ،لكننا لم نأبه لذلك،

كنا كل يوم نُذكِّره،لكنه كان ينسى أو يتناسى إحضارها ،أخيرا انهار أمام إلحاحنا و منحنا إياها و ابتسامة غريبة على وجهه كمن يقول :"تفضّلا أيتها الشقيتين" ،خطفنا منه القصيدة ،قرأنا العنوان ، السطر الأول ..فقط .ارتختْ يدانا،سلمناه القصيدة معتذرتين خجلتين ،غادرناه نلوم بعضنا بسبب الموقف المحرج...

- في الغرفة الجامعية أيامنا كلها تمرّ متشابهة،لا نخالط أحدا،نكتفي بصداقتنا،حتى ذلك اليوم عندمازارتنا فجأة جارتنا "صونيا"،جلست و بدأت تثرثر دون أن ندعوها لذلك!!تحكي قصة "مريم" التي تورمت عيناها من البكاء لأنها عرفت أن حبيبها الذي أوهمها بأنه شرطي من مدينة بعيدة ،لم يكن سوى ابن مدينتها التاجر المتواضع الذي أراد أن يلهو بها و ينهش جسدها كذئب ماكر!! ثم انتقلَتْ لـ"أميرة" الخط الأحمر التي لم يكن أحد يتجرأ للحديث عنها و لو في سره،حدّثتنا كيف أجهضتْ و كيف أن مدير الإقامة يطيعها ويخافها حتى أنه لم يقوى على إبعاد ذلك"الجرو الصغير" الذي تربّيه في غرفتها،و إن اشتكى الجميع من نباحه الذي يزعجنا ليلا! و..و..و أشياء كثيرة جدا جعلتْنا مدهوشات ،لا نُعلق سوى بـ :أ حقا ما تقولين ؟؟

كانت"صونيا" تلك مستودعا من الأسرار،بعد أن أفرغتْ جعبتها ورأت الدهشة على وجوهنا ، قالت متفاخرة :

" لو كنتُ أُدرّس البنات فنون الحياة الخطيرة ،و طرق اصطياد القلوب و عيش المغامرات العاطفية ،كل يوم برجل بل كل ثانية برجل ، لما قبلتُ و لا واحدة منكن بأن تكون تلميذة عندي و لو في صف الحضانة هههههه"!

خرجتْ تلك ال"صونيا" ،و تركتنا نتساءل :" هل كان رأيها فينا مدحا أم ذماّ" ؟؟

مجرد ذكريات ....

مجرد ذكريات ....

روابط مفيدة